الموضوع رقم ( 76 )
عدم دستورية احتفاظ العامل المعين بمكافأة شاملة بأجره الذى كان يتقاضاه عند تعيينه فى وظيفة دائمة
قضية رقم 128 لسنة 30 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد ، السابع من مارس سنة 2010م ، الموافق الحادى والعشرين من ربيع الأول سنة 1431 هـ .
برئاسة السيد المستشار / فاروق أحمد سلطان رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : السيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيرى طه وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف وتهانى محمد الجبالى ورجب عبد الحكيم سليم نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / حمدان حسن فهمى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 128 لسنة 30 قضائية " دستورية " والمحالة من المحكمة الإدارية لوزارتى النقل والمواصلات فى الدعوى رقم 566 لسنة 51 قضائية بجلسة 16/12/2007 .
المقامة من
السيد / أشرف ابراهيم محمد حسين
ضد
السيد رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد
الإجراءات
بتاريخ 14 ابريل سنة 2008 ، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 566 لسنة 51 قضائية بعد أن قضت المحكمة الإدارية لوزارتى النقل والمواصلات بمجلس الدولة بجلسة 16/12/2007 بإحالة نص الفقرة الأخيرة من المادة (15) من لائحة العاملين بالهيئة القومية للبريد إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستوريته .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن أشرف إبراهيم محمد حسين كان قد أقام الدعوى رقم 566 لسنة 51 قضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارتى النقل والمواصلات بمجلس الدولة ، طالبا الحكم بأحقيته فى الاحتفاظ بأجره بالمكافأة الشاملة وقدره 201 جنيه ، مع إعادة حساب العلاوة الخاصة والحوافز وطبيعة العمل والأجور الإضافية على هذا الأجر ، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها صرف الفروق المالية المترتبة على ذلك من تاريخ استلام العمل ، قولا منه أنه كان يعمل بالهيئة القومية للبريد بوظيفة محام بالإدارة القانونية بمكافأة شاملة قدرها 201 جنيه ، واستمر فى العمل حتى عين بموجب القرار رقم 1752 بتاريخ 3/10/1995 بالدرجة الثانية التخصصية بالإدارة ذاتها وبدون فاصل زمتى بمرتب قدره 58 جنيه ، فتقدم للهيئة يطلب الاحتفاظ بأجره الذى كان يتقاضاه بالمكافأة الشاملة ، إلا أن الهيئة رفضت ذلك ، فتقدم بطلب إلى لجنة التوفيق المختصة ، التى أوصت بأحقيته فى الاحتفاظ بأجره بالمكافأة الشاملة ، وإذ رفضت الهيئة تنفيذ توصية اللجنة ، فقد أقام دعواه أمام المحكمة الإدارية لوزارتى النقل والمواصلات بمجلس الدولة توصلا للقضاء له بطلباته المتقدمة ، وبجلسة 16/12/2007 قضت المحكمة بإحالة نص الفقرة الأخيرة من المادة (15) من لائحة العاملين بالهيئة القومية للبريد إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستوريته ، على سند من قيام شبهة مخالفته للمادتين 13 ، 40 من الدستور .
وحيث إن المادة (15) من لائحة العاملين بالهيئة القومية للبريد الصادرة بقرار وزير المواصلات والنقل البحرى رقم 70 لسنة 1982 تنص على أن
" يستحق العامل أجره اعتبارا من تاريخ تسلمه العمل ما لم يكن مستبقى بالقوات المسلحة فيستحق أجره من تاريخ تعيينه .
ويستحق العامل عند التعيين بداية الأجر المقرر لدرجة وظيفته .
واستثناء من ذلك إذا أعيد تعيين العامل فى وظيفة من مجموعة أخرى فى نفس درجته أو فى درجة أخرى احتفظ له بالأجر الذى كان يتقاضاه فى وظيفته السابقة إذا كان يزيد على بداية الأجر المقرر للوظيفة المعين عليها بشرط ألا يجاوز نهايته . ويسرى هذا الحكم على العاملين السابقين بالجهاز الإدارى للدولة ووحدات الحكم المحلى والهيئات العامة وشركات القطاع العام والمعاملين بنظم وظيفية خاصة الذين يعاد تعيينهم بالهيئة . كما يسرى هذا الحكم على العاملين المعينين بمكافآت شاملة عند تعيينهم فى وظائف دائمة " .
وحيث إن مفاد ما تقدم أن الأصل هو استحقاق العامل عند التعيين بداية الأجر المقرر للوظيفة المعين عليها ، إلا أنه استثناء من هذا الأصل احتفظت الفقرة الأخيرة من المادة (15) المطعون فيها ، لمن كان معينا بمكافأة شاملة ثم عين فى وظيفة دائمة ، بأجر يساوى المكافأة التى كان يتقاضاها ، إذا كانت تزيد على بداية الأجر المقرر للوظيفة المعين عليها ، وذلك بشرط ألا يجاوز نهاية الأجر المقرر لتلك الوظيفة ، وهو النص الحاكم لموضوع النزاع المطروح على محكمة الموضوع والذى تدور رحاه حول مدى أحقية المدعى فى الاحتفاظ بالمكافأة الشاملة التى كان يتقاضاها إبان عمله بالهيئة عند تعيينه فى وظيفة دائمة بها ، ومن ثم فإن شرط المصلحة يكون متحققا بالنسبة لهذا النص ، بحسبان أن الفصل فى مدى دستوريته سيكون له أثره وانعكاسه على الدعوى الموضوعية والطلبات المطروحة بها وقضاء محكمة الموضوع فيها .
وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها وتعتبر تخوما لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها ، وكان الدستور إذ يعهد إلى السلطة التشريعية بتنظيم موضوع معين ، فإن ما تقره القواعد القانونية فى هذا النطاق لا يجوز أن ينال من الحقوق التى كفل الدستور أصلها سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها .
وحيث إن من المقرر أن النصوص القانونية التى ينظم بها المشرع موضوعا محددا لا يجوز أن تنفصل عن أهدافها ، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يصدر من فراغ ، ولا يعتبر مقصودا لذاته ، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها ، وتعكس مشروعيتها إطارا للمصلحة العامة التى أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها ، وطريق الوصول إليها .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن العمل – وفى إطار الخصائص التى يقوم عليها باعتباره حقا وواجبا وشرفا وفقا لنص المادة (13) من الدستور – مكفول من الدولة ، سواء بتشريعاتها أو بغير ذلك من التدابير ، وإعلاؤها لقدر العمل وارتقاؤها بقيمته يحملها على تقدير من يمتازون فيه ، ليكون التمايز فى أداء العاملين مدخلا للمفاضلة بينهم ، وهو ما يعنى بالضرورة أن الشروط الموضوعية وحدها هى التى يعتد بها فى تقدير العمل وتحديد المقابل المستحق عنه ، والأوضاع التى ينبغى أن يمارس فيها ، والحقوق التى يتصل بها ، وأشكال حمايتها ووسائل اقتضائها ، وأن ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة (13) من الدستور من أن العمل لا يجوز أن يفرض جبرا على المواطنين إلا بمقتضى قانون ، ولأداء خدمة عامة ، وبمقابل عادل ، مؤداه أن الأصل فى العمل أن يكون إراديا قائما على الاختيار الحر ، فلا يفرض عنوة على أحد إلا أن يكون ذلك وفق القانون وبمقابل عادل ، وهو ما يعنى أن عدالة الأجر لا تنفصل عن الأعمال التى يؤديها العامل سواء فى نوعها أو كمها ، فلا عمل بلا أجر ، ولا يكون الأجر مقابلا للعمل إلا بشرطين أولهما : أن يكون متناسبا مع الأعمال التى أداها العامل ، مقدرا بمراعاة أهميتها أو صعوبتها وتعقدها وزمن إنجازها ، وغير ذلك من العناصر الواقعية التى يتحدد على ضوئها نطاقها ووزنها ، ثانيا : أن يكون ضابط التقدير موحدا ، فلا تتعدد معايير هذا التقدير بما يباعد بينها وبين الأسس الموضوعية لتحديد الأجر ، وهو ما يعنى بالضرورة ألا يكون مقدار الأجر محددا التواءً أو انحرافا ، فلا يمتاز بعض العمال عن بعض إلا بالنظر إلى طبيعة الأعمال التى يؤدونها وأهميتها ، فإذا كان عملهم واحدا فإن الأجر المقرر لجميعهم ينبغى أن يكون متماثلا ، بما مؤداه أن قاعدة التماثل فى الأجر للأعمال ذاتها تفرضها وتقتضيها موضوعية الشروط التى يتحدد الأجر فى نطاقها .
وحيث إن الدستور أولى مبدأ المساواة الذى نص عليه فى المادة 40 منه أهمية كبرى ، باعتباره ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها ، وأساسا للعدل والسلام الاجتماعى ، وأن غايته صون الحقوق والحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها ، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة بين المراكز القانونية المتماثلة ، فإذا قام التماثل فى المراكز القانونية التى تنتظم بعض فئات المواطنين ، وتساويهم تبعا لذلك فى العناصر التى تكونها، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التى ينبغى تطبيقها فى حقهم ، فإن خرج المشرع على ذلك سقط فى حمأة المخالفة الدستورية .
وحيث إنه متى كان ما تقدم وكان النص المطعون فيه قد قضى باحتفاظ العامل المعين بمكافأة شاملة بأجره الذى كان يتقاضاه عند تعيينه فى وظيفة دائمة ، ولو كان يزيد على بداية الأجر المقرر للوظيفة المعين عليها ، والذى يمنح لزملائه المعينين فى الوظيفة ذاتها ، وذلك رغم أن الوظيفة التى يشغلونها واحدة ، فوق كونهم جميعا يخضعون لنظام قانونى واحد ، بما مؤداه تماثل مراكزهم القانونية ، الأمر الذى يكون معه النص الطعين قد أخل بقاعدة التماثل فى الأجر للأعمال ذاتها ، التى تقتضيها موضوعية الشروط التى يتحدد الأجر فى نطاقها ، كما يتعارض مع حق العامل فى اقتضاء الأجر العادل لقاء عمله الذى يتكافأ مع عمل نظيره ، وذلك بالمخالفة لنص المادة (13) من الدستور ، كما يقع هذا النص بما تضمنه من تمييز تحكمى لا يستند إلى أسس موضوعية تبرره ، مصادما لنص المادة (40) من الدستور .
ولا ينال مما تقدم أن من كان معينا بمكافأة شاملة اكتسب خبرة فى مجال الوظيفة التى كان يباشر أعمالها ، بما يلزم أن ينعكس أثر ذلك على أجره ، ذلك أن المواد 16 ، 17 ، 18 من لائحة العاملين بالهيئة الصادرة بالقرار رقم 70 لسنة 1982 المشار إليه المعدلة بقرار وزير النقل والمواصلات رقم 92 لسنة 1944 قد عالجت هذه المسألة فأجازت حساب مدة الخبرة العملية التى يدخل ضمنها مدة العمل بمكافأة شاملة على أساس أن تضاف إلى بداية أجر التعيين علاوة دورية من علاوات درجة الوظيفة المعين عليها عن كل سنة من سنوات الخبرة التى يتقرر حسابها ، والتى تزيد على الحد الأدنى للخبرة المطلوب توافرها لشغل الوظيفة بحد أقصى خمس علاوات ، وبشرط ألا يسبق زميله المعين فى الهيئة فى المجموعة النوعية ذاتها فى وظيفة من الدرجة نفسها فى التاريخ الفرضى لبداية الخبرة المحسوبة سواء من حيث الأقدمية فى الوظيفة أو الأجر .
وحيث إن إعمال الأثر الرجعى للحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (15) من لائحة العاملين بالهيئة المطعون فيها ، سيؤدى إلى المساس بالمراكز القانونية للعاملين الذين أفادوا من هذا النص إبان فترة سريانه ، ومن ثم فإن المحكمة إعمالا للرخصة المخولة لها بمقتضى نص الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 المعدل بالقرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 ، وحفاظا على استقرار المراكز القانونية لهؤلاء العاملين ، تحدد لسريان هذا الحكم وإعمال أثره تاريخا آخر هو اليوم التالى لنشره .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
أولا : بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (15) من لائحة العاملين بالهيئة القومية للبريد الصادرة بقرار وزير المواصلات والنقل البحرى رقم 70 لسنة 1982 فيما نصت عليه من أنه " كما يسرى هذا الحكم على العاملين المعينين بمكافآت شاملة عند تعيينهم فى وظائف دائمة " .
ثانيا : بتحديد اليوم التالى لنشر هذا الحكم تاريخا لإعمال أثره .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))