المحكمة الدستورية العليا



المحكمة الدستورية العليا:

تمثل المحكمة الدستورية العليا الهيئة القضائية المختصة بالنظر فى دستورية القوانين واللوائح وتفسير النصوص التشريعية، وهى تختص بالفصل فى تلك النوعية من الانزعة دون غيرها، وهى بذلك محكمة نوعية متخصصة وذات كيان مستقل.
وأنشئت هذه المحكمة بمقتضي دستور 1971 الفصل الخامس من الباب الخامس المواد من 174 وحتى 178 لتحل محل المحكمة العليا التى يعود وجودها فى مصر إلى القانون 81 لسنة 1969 والذى ألغى بمقتضى القانون 48 لسنة 1979 بشأن المحكمة الدستورية العليا، وهذه المحكمة هيئة قضائية مسـتقلة وقائمة بذاتهـا ومقرهـا القاهـرة وأعضاء المحكمة غير قابلين للعزل ولا ينقلون إلى وظائف أخرى إلا بموافقتهم (المادة 11) وتختص المحكمة وفقاً لنص المادة 25 بما يلى: 
أولا: الرقابة على دستورية القوانين واللوائح.
ثانياً: الفصل فى تنازع الاختصاص بين الجهات القضائية.
ثالثاً: الفصل فى حالات التنازع الناشئة عن صدور حكمين نهائيين متناقضين.
رابعاً: تفسير النصوص التشريعية والقرارات بقوانين ( المادة 26).
وتتولى المحكمة اختصاصها فى الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من خلال إحدى الطرق الآتية (المادة28):
ـ إذا تراءى لإحدى المحاكـم أو الهيئـات ذات الاختصاص القضائي أثناء نظر إحدى الدعاوى عدم دستورية نص فى قانون أو لائحـة لازمه للفصـل فـى النزاع أوقفت الدعوى وتحيل الأوراق للمحكمة الدستورية للفصل فى المسألة الدستورية وذلك بغير رسوم المادة (29).
ـ إذا دفع إحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى، بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة وفى هذه الحالة إذا قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، منحت الخصم صاحب الدفع أجلا قدره ثلاثة أشهر لرفع الدعوى أمام المحكمة الدستورية (المادة 29).
ـ وعن الاختصاص المتعلق بتعيين جهة القضاء المختصة والفصل فى النزاع بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين يتم بطلب من ذى الشأن يقدم مباشرة للمحكمة ( المادة 32).
ـ وعـن اختصـاص تفسـير النصـوص التشريعية يتم عن طريق وزارة العدل بناء على طلـب رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الشعب أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية ( المادة 33).
ونص القانون على أن تنشر فى الجريدة الرسمية أحكام المحكمة فى الدعاوى الدستورية وقراراتها فى طلبات التفسير ( المادة 49 ) كما نص على أن تكون أحكامها وقراراتها انتهائية وغير قابلة للطعن ( المادة 48 ) وملزمة لكافة السلطات فى الدولة ويترتب على صدور أحكامها ونشرها فى الجريدة الرسمية فى الموعد المحدد قانوناً لذلك إلغاء النص المقضى بعدم دستوريته وعدم جواز تطبيقه من اليوم التالى لنشر الحكم، وإذا تعلق النص المقضى بعدم دستوريته بنص جنائى، تعتبر الأحكام الصادرة بالإدانة والتى صدرت استناداً إليه كأن لم تكن.
وقد أعفى القانون الطلبات المتعلقة بتحديد جهة القضاء المختصة والمنازعات المتعلقة بالتنفيذ من الرسوم، وفرض رسماً ثابتاً مقداره (25) خمسة وعشرون جنيهاً للدعاوى الدستورية، وذلك لتسهيل عملية اللجوء للمحكمة الدستورية ولعدم جعل الرسوم القضائية سبباً مرهقاً أو معوقاً لاستخدام الأفراد لحقهم فى ذلك الأمر.
وقد عرضت على المحكمة الدستورية العليا على نحو ما سلف بيانه العديد من الأنزعة الدستورية بمقتضى طلب العديد من المحاكم المختلفة وبناء على دفوع مقدمة من الأفراد حول مدى دستورية بعض النصوص التشريعية وقد أصدرت المحكمة العديد من الأحكام المتعلقة بحقوق الإنسان بصفة عامة وقضت فى بعضها بعدم دستورية العديد من النصوص التشريعية التى ارتأت أن فيها مخالفة أو تعارضاً أو قيداً على تلك الحقوق والحريات، والسابق الإشارة إليها بالقسم الثانى من هذه الدراسة وتعكس الأنزعة الدستورية التى نظرتها المحكمة والأحكام الصادرة من المحكمة بشأنها أموراً هامة يقتضى الأمر توضيحها وهى: 
1 ـ زيادة وعى المواطنين وحرصهم على استخدام وسائل الانتصاف الوطنية بما فيها المحكمة الدستورية العليا، سعيا وراء الذود عن حقوقهم وتأكيد حرياتهم التى يكفلها الدستور والقانون، وهو ما يؤكد نجاح الجهود الوطنية فى التعريف والتوعية بمبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسـية الواردة بالدستور المصرى والمواثيق الدولية لحقوق الإنســان.
2 ـ تأكيد أن مصر دولة سيادة قانون إذ التزمت كافة السلطات فى الدولة بما صدر عن المحكمة الدستورية من أحكام سواء بوقف العمل بالنصوص المقضى بعدم دستوريتها أو تعديل التشريعات عن طريق السلطة التشريعية بما يتفق وما انتهت إليه هذه الأحكام.
3 ـ أن الأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا فى جملتها سواء بالرفض أو بعدم الدستورية شكلت فى مجموعها سياجاً قضائياً هاماً أحاط الدستور بصفة عامة ومبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية بصفة خاصة بمجموعة من المبادئ القضائية الدستورية الهامة التى حسمت بها المحكمة كل الاجتهادات والتفسيرات ورسمت بها المحكمة طريقاً واضحاً للمشرع الوطنى فى العديد من القضايا والمسائل الهامة التى تتعلق بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية على نحو ما سلف بيانه.
4 ـ أن اللجوء للمحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية النصوص التشريعية بالضوابط التى قررها المشرع سواء من قبل الخصوم أو من قبل المحاكم القضائية أدى إلى قيام المحكمة الدستورية بدورها الرقابي على دستورية القوانين بشكل فعال ساعد على التخلص من النصوص المشوبة بعيب بعدم الدستورية وأكد ذلك أيضاً حرص الكافة على النقاء الدستوري للبنيان التشريعى فى مصر وإزالة أية تشوهات تشريعية ماسة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.




المحكمة الدستورية العليا ومبادئ حقوق الإنسان
مقدمه : جاء الدستور المصرى الدائم محققا الحماية لنصوصه وأحكامه من خلال تقرير الرقابة القضائية على دستورية القوانين بإنشاء المحكمة الدستورية العليا والتى أناط بها القيام بهذا الاختصاص. وبما أن الدستور المصرى قد تضمنت مواده مبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية فقد بات من الطبيعى أن تكون النصوص الدستورية الحاوية لهذه المبادئ هى صاحبة السبق فى نظرها أمام المحكمة الدستورية العليا للفصل فيما يخالفها من نصوص تشريعية وطنية.
وقد بدأ القضاء الدستورى المتخصص عمله فى مصر منذ عام 1969 بإنشاء المحكمة العليا إلى أن صدر قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا عام 1979 وسنعرض بهذا الفصل إلى ثلاثة أجزاء الأول عن الرقابة القضائية لدستورية القوانين وعرض لنشأة المحكمة ومقتطفات عن رؤيتها لحقوق الإنسان من خلال حيثيات أحكامها، ثم الجزء الثانى عن التطبيقات العملية للأحكام الدستورية فى هذا المجال من خلال الأحكام الصادرة بعدم الدستورية بشأن النصوص التشريعية المتعلقة بثمانية عشر مجموعة من مبادئ حقوق الإنسان، ثم الإشارة فى الجزء الثالث إلى الإشكالية المتعلقة بالأثر الرجعى للأحكام الدستورية وكيفية تناول المشرع الوطنى لها.